`
نصرة الأخ لاتعني خيانة الحق

نصرة الأخ لاتعني خيانة الحق

انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً: فهمٌ عميقٌ لمعنى النصرة في الإسلام

 

مقدمة:

لطالما ردّد الناس قول النبي ﷺ: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، لكن كثيراً ما يُساء فهم هذا الحديث النبوي، فيُتخذ ذريعة لتبرير الانحياز الأعمى، أو التغاضي عن الظلم، أو حتى دعمه باسم الأخوة والولاء.

لكن الحقيقة أن الإسلام، دين العدل والرحمة، لا يمكن أن يأمر بتأييد الباطل أو الوقوف مع الظالم. بل إن هذا الحديث الشريف هو دعوة واضحة للعدل، والإصلاح، وتحقيق الأخوّة الحقيقية، ليس فقط بنصرة المظلوم، بل بإنقاذ الظالم من ظلمه قبل أن يهلك نفسه ويهلك مجتمعه.


 معنى الحديث الشريف:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً."
قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟
قال: "تمنعه من الظلم، فذلك نصره."
(رواه البخاري)

وهنا تظهر عظمة التوجيه النبوي:
حين يكون أخوك مظلوماً، فأنت تنصره برفع الظلم عنه،
وحين يكون ظالماً، فأنت تنصره بمنعه من الاستمرار في ظلمه، وتردّه إلى جادة الحق.


 أنواع النصرة في الإسلام:

أولاً: نصرة المظلوم

هي الفطرة السليمة التي جبل الله عليها البشر. فالوقوف مع الضعيف، وردّ الظلم عنه، ورفع صوته حين يُقمع، هي صور من صور الإيمان، كما قال ﷺ:
"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه..."
(رواه مسلم)

والإسلام لا يقف عند حد التعاطف، بل يوجب السعي الفعّال لنصرة المظلوم بكل وسيلة متاحة، سواء بالكلمة، أو الفعل، أو التأييد العلني.


ثانياً: نصرة الظالم

وهذا هو الجانب الذي قد يغيب عن أذهان البعض.
فالظالم ليس في حاجة إلى من يشجعه على ظلمه، بل إلى من يردّه إلى الصواب، ويمنعه من الأذى، وينصحه برفق أو يُحاسبه بحزم.

النصرة هنا ليست دفاعاً عن فعله، بل هي إنقاذ له من عاقبة ظلمه، سواء في الدنيا أو في الآخرة. فهي نُصرة لعقله، وضميره، وآخرته.

فالنبي ﷺ لم يقل: "دافع عن أخيك مهما فعل"، بل قال: "انصره"، أي ساعده على أن يكون على حق، لا أن يبقى على باطل.


 كيف ننصر الظالم بطريقة صحيحة؟

  1. بالمناصحة الخفية: لا تفضحه، بل اجلس معه، ذكّره بالله، وخوّفه من عواقب ظلمه.
  2. بالتدخل لردّ المظالم: إذا لم يُنصت، عليك أن تتدخل لإيقافه، بحسب قدرتك، دون ظلم أو تعدٍ.
  3. بفضح الظلم عند الحاجة: إن أصرّ على ظلمه، فقد يصبح من الواجب إعلان الموقف ومواجهة فساده علناً، حماية للمجتمع.
  4. بالدعاء له بالهداية: فربما قلبٌ ظالم اليوم، يصبح عادلاً غداً بهداية من الله ودعوة صادقة.

 لماذا نمنع الظالم من ظلمه؟

  • لأن الظلم يؤذي المجتمع كله، وليس فقط المظلوم.
  • لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ومشارك ضمنيًا في الجريمة.
  • لأننا نؤمن أن كل ظالم يُمهل، ولا يُهمَل، وعاقبته شنيعة، حتى لو تأخرت.

قال تعالى:
"وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ"
[إبراهيم: 42]


 صور معاصرة لنصرة الأخ الظالم:

  • صديق يُدافع عن صاحبه الذي يسيء للناس: هذا ليس نصراً، بل مشاركة في الظلم.
  • أب يتستر على خطأ ابنه رغم أذيّته للآخرين: هذا ليس حباً، بل ضعف تربوي يضر بالابن والمجتمع.
  • مدير يغطي على أخطاء موظفيه المقربين: هذا فساد إداري، لا نُصرة.

النصرة الحقيقية اليوم هي أن تقول: "أخطأتَ، وهذا لا يجوز، وسأمنعك من الاستمرار".
فهذا هو معنى النُبل، والشهامة، والأخوة الصادقة.


مما تعاني بعض الدول من ظلم وقهر

لا يقتصر تطبيق الحديث على الأفراد، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره ومؤسساته المختلفة. فالمجتمع الذي يطبق هذا الحديث هو مجتمع يسوده العدل والإنصاف، وتنتشر فيه قيم التكافل والتراحم.

ومن تطبيقاته المجتمعية:

  • دور المؤسسات القضائية والقانونية:
    يجب أن تكون هذه المؤسسات هي الحصن المنيع للمظلوم، واليد القوية التي تمنع الظالم. فعليها أن تطبق العدل بحذافيره، وأن تضمن لكل ذي حق حقه، وأن تردع الظالمين وتمنعهم من التمادي في ظلمهم. وهذا يتطلب استقلالية القضاء، ونزاهة القائمين عليه، وسرعة البت في القضايا.
  • دور مؤسسات المجتمع المدني:
    تلعب الجمعيات والمنظمات غير الحكومية دوراً مهماً في نصرة المظلومين، سواء بتقديم الدعم القانوني، أو المساعدة الإنسانية، أو التوعية بحقوقهم. كما يمكنها أن تساهم في منع الظلم من خلال برامج التوعية، ورصد الانتهاكات، والضغط على الجهات المسؤولة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
  • دور الإعلام:
    للإعلام دور حيوي في كشف الظلم وفضح الظالمين، وتسليط الضوء على قضايا المظلومين. فالإعلام الحر والمسؤول يمكن أن يكون أداة قوية لنصرة الحق، ومنع الظلم من الانتشار، من خلال نشر الوعي، وتشكيل الرأي العام، والضغط على الجهات المعنية للتحرك.
  • أهمية العدل الاجتماعي:
    يسعى المجتمع الذي يطبق هذا الحديث إلى تحقيق العدل الاجتماعي، الذي يعني توزيع الثروات والفرص بشكل عادل، وضمان حقوق جميع أفراد المجتمع دون تمييز. فالظلم الاقتصادي والاجتماعي هو أحد أخطر أنواع الظلم، ومكافحته جزء أساسي من تطبيق هذا الحديث.

 على المستوى الدولي

يمتد مفهوم نصرة الظالم والمظلوم ليشمل العلاقات الدولية. ففي عالم تتشابك فيه المصالح وتتعدد فيه الصراعات، يصبح تطبيق هذا الحديث ضرورة ملحة لتحقيق السلام والعدل العالميين:

  • نصرة الشعوب المظلومة:
    على الدول والمجتمعات أن تقف مع الشعوب التي تتعرض للظلم والاضطهاد، سواء كان هذا الظلم احتلالاً، أو تمييزاً عنصرياً، أو انتهاكاً لحقوق الإنسان. وهذا يشمل تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي، والمساعدة الإنسانية، والضغط على الدول الظالمة لوقف انتهاكاتها.
  • دور المنظمات الدولية:
    تلعب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة دوراً مهماً في تطبيق هذا الحديث، من خلال سن القوانين الدولية التي تجرم الظلم، وتوفير آليات لحماية حقوق الإنسان، والتدخل في النزاعات لمنع الظلم. ومع ذلك، فإن فعالية هذه المنظمات تعتمد على إرادة الدول الأعضاء في تطبيق مبادئ العدل والإنصاف.
  • مكافحة الظلم العالمي:
    يشمل ذلك مكافحة الفقر، والجهل، والمرض، والاستغلال، التي هي أشكال من الظلم العالمي. فعلى الدول الغنية أن تساعد الدول الفقيرة، وعلى المجتمعات المتقدمة أن تمد يد العون للمجتمعات المتخلفة، تحقيقاً لمبدأ التكافل الإنساني، ومنعاً للظلم الذي قد ينشأ عن الفوارق الكبيرة بين الدول.

المغالطات الشائعة حول الحديث وتصحيحها

على الرغم من وضوح المعنى الصحيح لحديث "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"...


خلاصة القول:

"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" ليست شعاراً للولاء الأعمى، بل مبدأ عادل يُعلّمنا أن الحق فوق كل اعتبار، وأن الأخوّة لا تبرر الظلم، بل تحتم علينا منعه.

في عالمٍ يمتلئ بالصراعات، والخصومات، والانحيازات، نحتاج أن نُعيد لهذا الحديث الشريف معناه النقي، ونتّخذه شعاراً للإصلاح لا للتمويه.

فلا تُناصر أخاك في باطله، بل انصره على نفسه إن جار، تكن قد نصرت الدين، وأقمت العدل، وحميت القلوب من الانكسار.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.