التوازن الروحي بين الدنيا والأخره
أهمية التوازن بين السعي في أمور الدنيا والعمل للآخرة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن التوازن بين العمل للدنيا والسعي للآخرة هو أساس الاستقامة، وطريق النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة. يقول الله تعالى في محكم كتابه: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (القصص: 77)، مما يدل على أهمية تحقيق التوازن بين السعي للآخرة والاستفادة من الدنيا دون إفراط أو تفريط.
الاقتصاد في طلب الدنيا
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتدال في طلب الدنيا وعدم الانشغال بها عن أمور الآخرة، فقال: "أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا" (رواه ابن ماجه). ومعنى ذلك أن يسعى الإنسان لسد حاجاته وحاجات من يعول باعتدال دون مبالغة أو تقصير. وقال العلماء: "أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ إِذَا اعْتَدَلَ وَلَمْ يُفْرِطْ".
فالخلل يحدث حينما تصبح الدنيا غاية الإنسان، فينسى الآخرة، ويتحول إلى شخص يسعى فقط وراء المال والمنافع الدنيوية، مما يؤدي إلى ضياع الفرائض والانشغال عن الطاعات. وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (رواه الترمذي).
السعي في طلب الرزق عبادة
السعي للرزق وتحصيل الكسب الحلال عبادة إذا قصد به الإنسان رضا الله وإعفاف نفسه ومن يعول. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَتَفَاخُرًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ" (رواه الطبراني وصححه الألباني).
لذلك، فإن السعي في الدنيا بما لا يضر الدين، وبما يعين الإنسان على الطاعات، يعد من أعظم القربات، قال الله تعالى:
"فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ" (الجمعة: 10).
كيفية تحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة
1. الالتزام بالفرائض والطاعات:
البداية تكون بإقامة الصلاة والالتزام بالواجبات التي فرضها الله علينا، ثم التوسع في النوافل والطاعات الأخرى مثل الصدقة وقراءة القرآن.
2. إعطاء كل جانب حقه:
جاء في الحكمة: “حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات من يومه: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين ينصحونه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل.”
3. الرضا والقناعة:
القناعة والرضا بما قسمه الله هما سر السعادة. السعي دون الطمع والجشع يجعل الإنسان أكثر تركيزًا على الأهداف الأخروية.
4. التخطيط الجيد للوقت:
تقسيم اليوم بين العبادات، العمل، والراحة يضمن تحقيق التوازن. كما أن الاستعانة بالله في كل الأمور تجعل الطريق سهلاً وميسراً.
ثمار التوازن بين الدنيا والآخرة
تحقيق السعادة الداخلية:
العيش بتوازن يمنح الإنسان راحة البال وطمأنينة القلب.
الفوز في الدنيا والآخرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ".
قبول الأعمال:
الاعتدال يجعل الأعمال أكثر بركة، ويؤدي إلى قبولها عند الله.
اللهم اجعلنا ممن يسعون في الدنيا للآخرة، ووفقنا لما تحب وترضى.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
Leave a comment
Your email address will not be published. Required fields are marked *