`
بين صوت الأذان ونداء القلب

بين صوت الأذان ونداء القلب

دعوة لكل من يظن أن القلوب قد ضلّت، بأن الهداية ممكنة… وأن العودة إلى الله لا تحتاج إلا صدق النية.

 

قصة روح تبحث عن النور… وتجد الطريق

في زقاقٍ ضيقٍ من أحياء المدينة القديمة، حيث تتراكم الذكريات على جدران الطين، وتُروى الحكايات فوق الأرصفة الباردة، عاش سهيل، شاب في مطلع العشرينات، يحمل وجهًا هادئًا، لكنه كان يُخفي خلفه فوضى داخلية لم يُدرك أحد عمقها.

ولد سهيل لأمٍّ صابرة، فقدت زوجها في ريعان شبابها، لكنها لم تفقد صلتها بالله. كانت تقوم الليل بخشوع، تبكي بحرارة، وتناجي ربها أن يهدي وحيدها الذي بدأ ينزلق بصمت نحو الضياع. لم يكن سهيل عاصيًا واضحًا، ولا مجرمًا… بل كان مثل كثير من شباب هذا الجيل: تائهًا.

يقضي وقته بين شاشات الهاتف، وضحكاتٍ فارغة، وأحاديث الأصدقاء التي لا تُغني قلبًا ولا تروي روحًا. كان قلبه كمنزلٍ مهجور: تمتلئ جدرانه بالأصوات، وتخلو زواياه من الحياة.

كانت والدته ترى التغيير في عينيه… لم يعد يسأل عن الصلاة، ولا يقرأ القرآن كما كان يفعل صغيرًا. تغيّرت نبرة صوته، وملامح اهتمامه، ونظرته للأشياء. لكنها لم تعاتبه… فقط كانت تدعو، وتبكي، وتهمس في جوف الليل:
"اللهم لا تردني في وحيدي… إنك تهدي من تشاء."


 في تلك الليلة الباردة…

اجتمع سهيل مع أصدقائه في إحدى الزوايا المهجورة، يضحكون، يدخنون، ويتحدثون عن "الحرية" و"المتعة". وبينما يشاركهم الجلسة، كان في داخله فراغ لا يسدّه صخب ولا ضحك.

وفجأة، شقّ سكون الليل صوت أذان الفجر من مسجدٍ قريب… كان الصوت خافتًا لكنه عميقًا، تسلّل إلى قلب سهيل كما لم يحدث من قبل.

تجمّد في مكانه… كأن الزمن توقف.
شيء بداخله انكسر… أو لعله استيقظ.

ظلّ يحدّق في الأرض، بينما عقله يستعيد صورة والدته ساجدةً تبكي وهو يتظاهر بالنوم. تذكّر حين كانت تضع يدها على صدره وتقول:
"اللهم اجعل قلبه لك، ووجهه نحوك. 

ترك سهيل أصدقاءه بصمت، وعاد إلى منزله. دخل غرفته، وأغلق الباب… ثم بكى.
لكنها لم تكن دموع ألم أو ضيق، بل كانت دموع عودة… دموع قلبٍ أدرك أخيرًا أنه كان ضائعًا.

IMG-20250716-WA0001-1

 فجر اليوم التالي…

استيقظ قبل أمه، توضأ ببطء، وكأن الماء يُزيل عن قلبه غبار السنين. ارتدى ملابسه البسيطة، واتجه نحو المسجد الصغير في آخر الحي.

لم يكن يعرف كيف يصلي بدقة… لكنه رفع يديه وقال:
"يا رب… أنا راجع، لكن خذ بيدي."

ومن تلك اللحظة، بدأ التغيير.

لم يتحوّل سهيل إلى وليّ صالح في يوم، ولم يتخلَّ عن كل أخطائه في ليلة… لكنه بدأ يسير، خطوة بخطوة، بثبات وصدق.

تخلّى عن جلسات اللهو، واختار صحبة جديدة: فيها القرآن، والذكر، والموعظة.
صار يُسابق الوقت ليصلّي جماعة، ويسأل عن الأحكام، ويُمسك المصحف كما يُمسك الإنسان يد صديق غالٍ.

وأعظم ما تغيّر فيه… قلبه.

صار يُقبّل يد أمه كل صباح، يعينها، يُمازحها، ويضحك لها كما كان يفعل طفلًا صغيرًا.


 قصته انتشرت…

صار أهل الحي يتحدثون:
"أتعرف سهيل؟ ذلك الشاب الذي عاد من بعيد؟ أصبح يدعو غيره… يحكي قصته… يقول: لا تستصغر قلبًا، فقد يهديه صوت أذان أو دمعة أمّ."

ومع مرور الوقت،صار شابا خلوقا بعد أن كان شابا مستهتراً وزادت علاقته بالله عمقًا وقوة. أصبح قيِّمًا للمسجد، يجتمع حوله الأطفال، يُعلّمهم القرآن بأسلوبٍ بسيط ومحبب، ويغرس في قلوبهم تعاليم الدين الحنيف كما أمرنا به رسول الله ﷺ.

عرفه الجميع بلقب: الشيخ سهيل.
وصار أهل الحي يرجعون إليه في أمور الدين والدنيا، يستشيرونه، ويأخذون برأيه باحترام.


 الرسائل المستخلصة من القصة:

  1. الأمل لا يُغلق بابه أبدًا
    لا تيأس من هداية أحد، ولا تحكم على الناس من مظاهرهم… فربما في داخلهم نداء ينتظر ساعة الإجابة.
  2. قوة الأم الصامتة
    الدعاء، الصبر، والقدوة… أدواتٌ صامتة، لكنها تُثمر حين تذبل كل الوسائل الأخرى.
  3. الرجوع إلى الله لا يحتاج كمالًا
    لا تنتظر أن تكون عالمًا لتعود… فقط قل بصدق: "ساعدني يا رب."
  4. أحيانًا نحتاج لصوتٍ يوقظنا
    ربما أذان، خسارة، موقف، أو دمعة… فانتبه لإشارات الله، فقد تكون مفتاح الرحمة.

 خاتمة:

في زمنٍ تتسارع فيه الفتن وتضيع فيه البوصلة…
لا يزال هناك قلوب تبحث عن الطريق،
ولا تزال أبواب السماء مفتوحة… تنتظر من يطرقها.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.