`
لباس الملكات

لباس الملكات

الحشمة ليست تخلفا بل شرف ورفعة

 

الستر شرفٌ لا يُضاهى

من يرى أن التبرج انفتاح أو أناقه فتفكيره خاطئ ويعتبر من حقبة الجاهليه وهذا سبب ليراجع افكارة وسيتضح له أن من أسباب الفساد الرئيسيه هو الإنفتاح والتخلي عن القيم في زمنٍ كثر فيه الخلط بين مفاهيم التحضر والتعري، وبين التطور والتجرد من القيم، تبرز لنا بعض القصص القرآنية كمنارات هدى، تسلط الضوء على المعاني الحقيقية للجمال، والمكانة، والهيبة، ومنها قصة الملكة بلقيس حين دخلت على سليمان عليه السلام.

قصة بلقيس والصرح الممرد

قال تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام:

"قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ"
(النمل: 44)

الملكة بلقيس، امرأة عاقلة، حاكمة، ذات جاه ومُلك، حين طُلب منها أن تدخل صرحًا مُمردًا من قوارير (زجاج شفاف)، ظنته ماءً، فأرادت أن تخوضه. ولم تكن ترتدي لباسًا كاشفًا، بل كانت مغطاة بالكامل، حتى اضطرت أن تشمر عن ثوبها حتى لا يبتل بالماء.

ما دلالة هذا المشهد؟

القرآن الكريم أراد أن يلفت النظر إلى أن:

الستر كان سمة الملكات والحكيمات.

اللباس الساتر لم يكن يُعد عائقًا أو تخلفًا، بل هو عنوان الوقار والرزانة.

المرأة الراقية، حتى في أعلى درجات السلطة، كانت ترى أن الحياء والاحتشام جزءٌ من هويتها ومكانتها.

بلقيس لم تكن امرأة عادية، بل كانت ملكة سبأ، ومع ذلك حافظت على وقارها ولباسها الساتر، مما يدل على أن الحياء لا يتعارض مع المنصب أو النفوذ، بل يزيد المرأة مهابة واحترامًا.

الستر في القرآن والسنة

لقد جاء الإسلام يُعلي من قيمة الحياء والستر، ويجعلهما عنوان كرامة المرأة ومكانتها.

 من القرآن الكريم:

"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ"
(الأحزاب: 59)

في هذه الآية، أمرٌ من الله للنساء أن يدنين عليهن الجلابيب، وهو لباس يغطي الجسد بالكامل، والسبب:
"ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين"
أي أن المرأة الساترة تُعرف بالعفة والوقار، فتحظى بالاحترام، وتُصان من الأذى.

"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى"
(الأحزاب: 33)

نهي صريح عن التبرج، وهو إظهار الزينة واللباس الفاتن أمام الأجانب. وقد شبّه الله ذلك بفعل الجاهليات الأولى، مما يدل أن التعري ليس تقدّمًا، بل رجوع إلى الجاهلية.

من السنة النبوية:

قال ﷺ:

"الحياءُ لا يأتي إلا بخير"
(رواه البخاري ومسلم)

وقال عليه الصلاة والسلام:

"إنَّ لكلِّ دينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحياء"
(رواه ابن ماجه)

وقال ﷺ في النساء المتبرجات:

"صنفان من أهل النار لم أرهما... ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها..."
(رواه مسلم)

و"كاسيات عاريات" تعني: يلبسن لباسًا لا يستر أو ضيقًا أو شفافًا.

أقوال العلماء في الحياء والستر

قال ابن القيم رحمه الله:

"الحياء من الحياة، فإذا نزع الحياء كانت علامة على موت القلب".

وقال ابن الجوزي:

"متى قلّ الحياء في وجه المرأة، قلّ احترام الناس لها، وإن كانت جميلة الشكل".

وقال الشافعي:

"إذا لم تصن المرأة وجهها، فليست ممن يُصان لعرضه".

الستر شرف لا نقصان

اللباس الفاضح قديمًا كان يُعرف به نساء اللهو، بينما الحياء والستر كانا سمة الشريفات والحرائر. أما اليوم، فقد سُوّق التبرج على أنه حرية، والحقيقة أنه استعباد لنظرات الناس، واستغلال للجسد كوسيلة لإثبات الذات.

المرأة الحرة لا تُقوّم بجمال جسدها، بل بعقلها، وأدبها، وحشمتها.
فمن أرادت أن تكون ملكة حقًّا، فلتجعل لباسها بيانًا لمكانتها، لا تنازلاً عنها.

خاتمة: كوني كبلقيس

كوني كبلقيس، التي دخلت على نبيّ الله بوقارها وهيبتها، حتى خاطبها القرآن وسجّل فعلها للناس كافة.
كوني رمزًا للستر، ولا تكوني أداة للتسويق الرخيص باسم الموضة أو الحرية.

فالستر ليس فقط لباسًا للجسد، بل هو لباس للعقل، والروح، والهيبة، وهو لباس الملكات الحقيقي.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.