في مدرسةٍ هادئة، وسط حيٍ صغير، كان هناك طفل يُدعى أُسامة. لم يكن مجرد تلميذ عادي، بل كان يُلقّب بـ"عبقري الصف الثالث". يبلغ من العمر ثمانية أعوام، يتمتع بذكاءٍ لافت يسبق عمره بسنوات. يقرأ القصص بشغف، ويحلّ المسائل بسرعة تُدهش معلميه.
ومع ذكائه، لم يكن أُسامة بعيدًا عن الحياة… بل كان روح الفصل، محبًا للرياضة، يركض ويقفز ويشجع زملاءه.
لحظة غيّرت كل شيء
في يومٍ مشمس، أقامت المدرسة مباراةً ودّية في كرة القدم. شارك الصف الثالث بحماس، وركض أُسامة في الملعب كأنّه لاعب محترف.
وأثناء المباراة، خرجت الكرة من ساحة اللعب وتوقفت خارج سور المدرسة.
صاح أحد الأطفال:
"أُسامة! جيب الكرة بسرعة!"
فابتسم أُسامة كعادته وركض نحو السور الخلفي. تسلّقه بخفة، لكن أثناء نزوله من الجهة الأخرى... انزلقت قدمه.
لحظة واحدة... تغيّر فيها كل شيء.
سقوطٌ عنيف، ارتطامٌ على الأرض، صمتٌ مفاجئ. لا صراخ، لا صوت… ثم ظلامٌ دامس.
بداية الألم
استفاق بعد أيام في سريرٍ أبيض، في غرفة باردة. فتح عينيه بصعوبة، ليجد والدته إلى جانبه تبكي وتقرأ الأدعية، ووالده في الزاوية، لا يجرؤ على النظر في عينيه.
أراد أُسامة أن ينهض... حاول أن يُحرّك قدميه...
لكن لا شيء يتحرك.
كانت التقارير الطبية واضحة:
"أُسامة أُصيب بشللٍ نصفيّ دائم."
سنوات من الوحدة
مرّت الشهور، ثم الأعوام. كبر أُسامة، لكن لم تكبر معه الحياة.
جلس على كرسيٍ متحرك، في إحدى زوايا المنزل، يُراقب الدنيا من نافذةٍ صامتة.
تغير أصدقاؤه، ونسيت المدرسة عبقريها الصغير... حتى والده تغيّر.
كان والده يعمل كثيرًا لتأمين الغذاء والدواء، ظنًا منه أن تلك هي كل حاجة ابنه. فلم يكن يُحادثه، ولا يلاعبه، ولا يأخذه لأي مكان.
ربما لم يستطع مواجهة الضعف في عيني ابنه... أو في قلبه هو.
لكن الأسوأ من المرض... كان الوَحدة.
لم يزره أحد، ولم يُعامله أحد كإنسان كامل. بعض الأقارب نظروا إليه بشفقة، وبعض الأطفال سخروا منه.
حتى هو نفسه، شعر أحيانًا أن إعاقته أصبحت ذريعة للإهانة أو التهميش… كأن الناس لا ترى فيه شيئًا إلا الكرسي.
لحظة الصحوة
وذات صباح، وبينما الأب في طريقه إلى عمله المعتاد، جلس في حافلة النقل العام يُقلب عينيه في الشارع... فرأى مشهدًا هزّ كيانه:
شابٌ على كرسي متحرك، يضحك من أعماقه، وخلفه أبٌ يضحك مثله، يدفعه بلُطف، ويمازحه وكأنّ العالم يحتفل بهما.
توقف الزمن.
اختنق صدره، وكأن أحدهم صفَعه على وجهه...
تذكّر أُسامة.
تذكّر كم كبر… وكم غاب عنه هو كأب.
في لحظة، غيّر الأب طريقه، وعاد إلى المنزل. دخل غرفة أُسامة، وجلس بجانبه لأول مرة منذ سنوات. مدّ يده المرتجفة، وقال بصوتٍ مليء بالندم:
"تجهّز يا بُني... سنخرج."
ظلّ أُسامة ينظر إليه… وكأن قلبه لا يصدق.
ثم ابتسم... ابتسامةً أعادت للبيت الحياة.
ولادة جديدة
ذلك اليوم لم يكن خروجًا عاديًا… بل ولادة جديدة.
ذهب به إلى الحديقة، ثم إلى الكورنيش، شاهدا البحر، ورأوا الأطفال يضحكون.
دخلوا مطعمًا، تناولا العصير، تحدث الأب، وضحك أُسامة كما لم يضحك منذ زمن.
وفي إحدى الزوايا، سأل الأب:
"هل أنت سعيد؟"
فأجاب أُسامة، والدمعة تلمع في عينيه:
"اليوم فقط... شعرت أني أعيش."
الرسالة
إلى كل أبٍ وأم، إلى كل أسرةٍ تحت سقفها طفلٌ أو شابٌ يُعاني من إعاقة...
لا تتركوه وحده.
الإعاقة لا تُقلل من قيمة الإنسان، ولا تُسقط كرامته، إلا إذا أسقطناها نحن بتجاهلنا وقسوتنا.
لا تُهينوا من لا يستطيع المشي… فقلوبهم قد تسبقكم بخطواتٍ من نور.
ولا تُعاملوا إعاقتهم كمجال للشفقة، ولا تُحمّلوهم ذنبًا لم يختاروه.
تنبيه مهم
رسالة إلى بعض العائلات:
اتقوا الله في أولادكم من ذوي الإعاقة.
لا تُخرجوهم للتسول في الشوارع، لا تُهينوا كرامتهم. فقد تجرحهم كلمة واحدة من أحد الناس… فكيف بعيون الشفقة أو التحقير؟
أنتم مسؤولون أمام الله.
في الختام:
هم لا يحتاجون الشفقة...
بل يحتاجون الحياة.
فلا تجعلوا الكرسي قيدًا لهم...
بل اجعلوه وسيلة جديدة للنهوض.
افتحوا لهم الأبواب... وستُفتح لهم السماء.
Leave a comment
Your email address will not be published. Required fields are marked *