يُعد عثمان بن عفان رضي الله عنه أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، فهو ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة. تميز بصفاته الفريدة، حيث عُرف بكرمه الشديد، وحيائه الذي كان يضرب به المثل، كما لُقّب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رقية ثم أم كلثوم. كان لعهد خلافته أثر كبير في توسيع رقعة الدولة الإسلامية، فشهدت فتوحاته انتشار الإسلام في بلاد فارس والشام وشمال إفريقيا. إلا أن أواخر حكمه كانت مليئة بالتحديات والفتن التي أدت في النهاية إلى استشهاده.
نسبه ونشأته
وُلِد عثمان بن عفان في مكة بعد عام الفيل بست سنوات، أي في عام 576م تقريبًا، وينتمي إلى بني أمية، وهم من كبار بطون قريش. كان أبوه عفان بن أبي العاص تاجراً غنياً، وأمه أروى بنت كريز من نسل عبد المطلب، مما يجعله قريباً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهة الأم. نشأ عثمان في بيئة ثرية لكنه عُرف بكرمه وسخائه، فكان يُفضّل مساعدة الآخرين على كنز الأموال.
إسلامه وهجرته
كان عثمان من أوائل من دخلوا الإسلام، حيث أسلم بدعوة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وعلى الرغم من مكانته بين قريش وثروته، فإنه لم يسلم من الأذى، فتعرض لمضايقات قريش بسبب إسلامه، لكنه صبر وثبت على دينه.
هاجر عثمان مع المسلمين إلى الحبشة هربًا من اضطهاد قريش، وكان من القلائل الذين هاجروا الهجرتين، الأولى إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، حيث استقر بعد ذلك بجوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
لقب ذو النورين
نال عثمان بن عفان لقب "ذو النورين" لأنه تزوج اثنتين من بنات النبي محمد صلى الله عليه وسلم. في البداية، تزوج السيدة رقية رضي الله عنها، التي هاجرت معه إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وبعد وفاتها، زوجه النبي من ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنها. وهذه ميزة لم يظفر بها أحد غيره من الصحابة.
دوره في خدمة الإسلام قبل الخلافة
كان عثمان رضي الله عنه من أكثر الصحابة إنفاقًا في سبيل الله، ومن أبرز مواقفه المشهودة:
- شراء بئر رومة: كانت هذه البئر مملوكة ليهودي يبيع ماءها للمسلمين بأسعار مرتفعة، فاشتراها عثمان وتبرع بها ليشرب منها المسلمون مجانًا.
- تجهيز جيش العسرة: في غزوة تبوك، كان المسلمون في حاجة شديدة للمؤن والمعدات، فساهم عثمان بماله بسخاء، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم."
- توسيع المسجد النبوي: عندما ضاق المسجد بالمصلين، تبرع عثمان بأمواله لتوسيعه وشراء الأراضي المحيطة به.
خلافته وإنجازاته
بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اختير عثمان خليفة للمسلمين عام 23هـ، وكان عمره حينها نحو 70 عامًا. استمرت خلافته نحو 12 عامًا، وشهدت الدولة الإسلامية في عهده تطورات مهمة.
1. الفتوحات الإسلامية
في عهده توسعت الدولة الإسلامية لتشمل مناطق جديدة، ومن أبرز الفتوحات:
- فتح بلاد فارس بالكامل.
- فتح أجزاء واسعة من شمال إفريقيا.
- توغل الإسلام في أرمينيا وأذربيجان وأجزاء من تركيا الحالية.
2. جمع القرآن الكريم
أحد أعظم إنجازاته كان جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، حيث لاحظ وجود اختلافات في قراءة القرآن بين المسلمين في الأمصار المختلفة. فجمع الصحابة وأمر بكتابة القرآن الكريم في مصحف موحد عُرف بـ"المصحف العثماني"، ثم أرسل نُسخًا منه إلى مختلف أرجاء الدولة الإسلامية.
3. تأسيس أول أسطول إسلامي
حرص عثمان على حماية الدولة الإسلامية من هجمات البيزنطيين، فأنشأ أول أسطول بحري إسلامي لمواجهة أسطول الروم، وكانت هذه خطوة استراتيجية عززت قوة المسلمين.
4. تطوير البنية التحتية للدولة
- وسّع المسجد الحرام والمسجد النبوي.
- عزز الإدارة الإسلامية بتعيين ولاة أكفاء على الأقاليم.
- حافظ على استقرار الدولة رغم التحديات السياسية.
الفتنة واغتياله
في أواخر خلافته، بدأت الفتن تظهر نتيجة اعتراض بعض المسلمين على بعض تعييناته للولاة، وتحريض بعض المنافقين والثائرين. رغم ذلك، رفض عثمان استخدام القوة ضد المسلمين، وفضّل حقن الدماء.
حاصر المتمردون منزله في المدينة المنورة لعدة أيام، ومنعوه من الماء والطعام. ورغم مناشدات الصحابة له بالقتال، رفض ذلك وقال: "لا أكون أول من يفتح باب الفتنة بين المسلمين." وفي يوم الجمعة، 18 ذو الحجة سنة 35هـ، اقتحموا منزله وقتلوه وهو يقرأ القرآن، ليكون بذلك أول خليفة يُقتل غدرًا، وهو صائم.
خاتمة
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه قائدًا حكيمًا وصحابيًا جليلًا، قدم للإسلام إنجازات عظيمة، سواء من خلال نشر الدين، أو إدارة شؤون الدولة، أو الحفاظ على وحدة المسلمين. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها، ظل صابرًا محتسبًا حتى استُشهد مظلومًا. ويبقى عثمان نموذجًا للزهد، والتضحية، والقيادة العادلة، ورمزًا خالدًا في التاريخ الإسلامي.
Leave a comment
Your email address will not be published. Required fields are marked *