`
سلطة بلا حوار

سلطة بلا حوار

الفرق الجوهري بين الطاعة الظاهرية المبنية على السلطة، وبين التربية العميقة المبنية على الحوار والاقتناع

 

في عالم التربية، يسعى الآباء دائمًا إلى تنشئة أبنائهم على ما يرونه صوابًا، وهذا أمر طبيعي ومتوقّع.
لكنّ الخطأ التربوي يقع عندما يُظن أن "النجاح في السيطرة على السلوك الخارجي" يعني "النجاح في بناء الشخصية".

وهنا تكمن المعضلة:
هل نريد أبناءً يخضعون للسلطة؟ أم أبناءً يؤمنون بالقيم؟


 سلطة دون حوار = طاعة مؤقتة

عندما يفرض الأب أو الأم رأيهما بشكل صارم، دون فتح باب للنقاش، تكون النتيجة غالبًا:

  • سلوكًا خارجيًا منضبطًا.
  • وقناعة داخلية مترددة أو رافضة.

هذا الأسلوب قد يبدو ناجحًا على المدى القصير، لأنه يحقق "نتائج سريعة":
الابن يطيع، لا يجادل، وينفّذ.
لكن الواقع الأعمق يقول:

"قد يطيعك الجسد، ولكن القلب يحمل في داخله بذور التمرّد."

فالابن الذي لم يُتح له أن يسأل، أو يناقش، أو يعبّر عن رأيه، سيكبت داخله تساؤلاته وتشكّكاته.
وعندما تسنح له الفرصة – في مرحلة المراهقة أو الاستقلال – يبدأ التمرد.


 آثار التسلّط التربوي

  1. غياب الثقة بالنفس
    ينشأ الطفل وهو يظن أن رأيه لا قيمة له، فيكفّ عن التعبير، ويخشى الخطأ، ويعتمد على الآخرين.
  2. ضعف الاستقلالية
    الأبناء الذين لم يُمنحوا فرصة اتخاذ القرار، يعجزون لاحقًا عن التمييز بين الخطأ والصواب بأنفسهم.
  3. العناد والتمرّد الخفي
    يتظاهر الطفل بالطاعة، لكنه يُخفي بداخله مشاعر الرفض، وينتظر الفرصة للانتقام أو التحرّر من السيطرة.
  4. انفصال بين السلوك والقناعة
    يعتاد الابن أن يفعل الصواب فقط أمام والديه، لا عن قناعة، بل خوفًا أو إجبارًا. وهذا الانفصال خطير لأنه يؤدي إلى شخصية مزدوجة.
  5. التمثيل بالانعكاس 
    تخيّل نفسك في عمر ابنك: كيف كنت تحب أن يُعاملك والدك؟ طبّق ذلك على أبنائك، وامنحهم فرصة الحوار والتعبير بالهدوء دائمًا.

 التربية بالحوار: بناء من الداخل

الحوار مع الأبناء لا يعني المساواة في السلطة، لكنه يمنحهم الشعور بالاحترام والكرامة.
إنه الجسر الذي تمرّ من خلاله القيم من قلب المربّي إلى قلب الابن.

كيف نمارس الحوار عمليًا؟

  1. استمع قبل أن تُعلّق
    أظهر اهتمامًا حقيقيًا بما يقوله ابنك، حتى لو كان يعارضك.
  2. استخدم أسلوب "ما رأيك؟"
    بدلًا من إعطاء أوامر مباشرة، شاركه التفكير:
    ما رأيك في هذا التصرف؟ هل تظنه صحيحًا؟
  3. فسّر السبب وراء القرار
    قل له:
    "منعتك من هذا الأمر لأنني أخشى عليك من كذا..."
    ولا تجعل القواعد عمياء وغير مفهومة.
  4. اعترف بخطئك إن أخطأت
    هذا لا يُضعفك أمامه، بل يُقوي ثقته بك، ويمنحه درسًا عمليًا في التواضع والاعتراف بالخطأ.

 التربية الناجحة = تربية القناعة

إن الهدف من التربية ليس أن يُطيعك ابنك خوفًا،
بل أن يفعل الصواب لأنه يريد أن يكون إنسانًا صالحًا.

التربية ليست عن السيطرة... بل عن "الاقتناع".


 الخاتمة

أيها الأب، أيتها الأم،
احرصا على أن تكون علاقتكما مع أبنائكما قائمة على الحوار، والاحترام، والتفهّم.

فأن تملك قلب ابنك، خير لك من أن تفرض عليه السلوك.
لأن السلوك قد يزول بزوال سلطتك،
أما القناعة فتبقى معه ما دام حيًّا.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.