`
الصمود في وجه الطغيان

الصمود في وجه الطغيان

رحلة مجموعه من الفتية المؤمنين الذبن تحدوا ملكا ظالما

قصة أهل الكهف هي واحدة من القصص العظيمة التي ذُكرت في القرآن الكريم، في سورة الكهف بالتحديد. هذه القصة تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر حول الإيمان بالله والصبر على الشدائد واليقين برحمة الله.

البداية:

في زمن قديم كان هناك ملك ظالم يحكم بلادًا تدين بعبادة الأصنام وتبتعد عن عبادة الله. هذا الملك كان يفرض على شعبه أن يعبدوا ما كان آباؤهم يعبدون، من أوثان وأصنام، ويعاقب كل من يتجرأ على مخالفة ذلك. في ظل هذا الظلم الشديد، ظهر مجموعة من الشباب الذين آمنوا بالله وحده ورفضوا عبادة الأصنام. كانوا على يقين أن الله وحده هو المستحق للعبادة وأن ما يفعله قومهم باطل.

أولئك الفتية كانوا يعيشون في مجتمع يرفض الحق ويستميت في عبادة غير الله. ولأنهم لم يتمكنوا من المجاهرة بإيمانهم بسبب الخوف من الاضطهاد والملاحقة، قرروا التواري عن الأنظار، يلتقون سرًا ويتشاورون في كيفية النجاة بدينهم.

قرار الهروب:

بعد مرور بعض الوقت، ازدادت الضغوط عليهم، إذ علم الملك الظالم بأمرهم وبدأت التهديدات تحاصرهم. كان عليهم اتخاذ قرار سريع، فإما أن يخضعوا ويتركوا دينهم، وإما أن يفروا بدينهم إلى مكان بعيد يحميهم من ظلم الملك ومن ملاحقة الجنود.

قرر الفتية الهروب من المدينة، مستودعين أمرهم إلى الله، فخرجوا من المدينة باحثين عن مكان آمن. وبينما كانوا يمشون، قادهم الله إلى كهف يقع في جبل بعيد عن الأنظار، حيث قرروا اللجوء إليه. وفي داخل هذا الكهف، اجتمع الفتية وصلوا إلى الله أن يحميهم ويرعى أمرهم. فقالوا: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (سورة الكهف: 10).

النوم العجيب:

ما إن استقر الفتية في الكهف حتى غلبهم النوم، وكان هذا النوم مختلفًا عن أي نوم آخر، فقد كان نومًا عميقًا طويلًا جداً. ضرب الله على آذانهم بمعنى أنه غيب عنهم الإحساس بالوقت والمكان، فناموا في كهفهم سنين طويلة. وقد ذُكر في القرآن أنهم ناموا ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعًا، أي ما مجموعه 309 سنوات. خلال هذه الفترة، تغيرت الأحوال تمامًا في المدينة، فقد مات الملك الظالم وجاءت أجيال جديدة، واعتنق الناس دين التوحيد وعبادة الله الواحد.

كما ذكر القرآن أن كلبهم كان معهم عند مدخل الكهف، باسطًا ذراعيه بالوصيد (عند الباب). وكان الله سبحانه وتعالى يحمي أجسادهم من التحلل، ويحافظ عليهم في حالة من السكون الكامل.IMG-20241004-WA0001
 

الاستيقاظ:

بعد مضي تلك السنوات الطويلة، أذن الله لهم بالاستيقاظ. استيقظ الفتية وهم لا يعرفون كم مضى من الوقت عليهم في الكهف. ظنوا في البداية أنهم ناموا ليوم أو بعض يوم فقط. بدأوا يتشاورون فيما بينهم حول ما يجب أن يفعلوه، وكانوا يشعرون بالجوع، لذا قرروا إرسال أحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعامًا دون أن يُلاحظ أحد أمرهم. كانوا لا يزالون يظنون أن المدينة تعيش في ظل الملك الظالم وأنه ينبغي عليهم الحذر.

أخذ الرجل النقود القديمة التي كانت بحوزتهم وذهب إلى المدينة. وعندما وصل إلى هناك، تفاجأ كثيرًا بالتغيرات التي حدثت. وجد أن الناس يتحدثون بشكل مختلف، وأن الأزياء والعملات وحتى الأساليب التجارية تغيرت تمامًا. عندما أراد شراء الطعام وأعطى النقود للبائع، استغرب الرجل من العملات القديمة التي قدمها الفتى، وأخذ يسأل عن مصدرها. انتشر الخبر بسرعة في المدينة وعلم الناس أن هذا الرجل يعود إلى زمن قديم جدًا.

اكتشاف المعجزة:

توافد الناس على الفتى وهم في حالة من الدهشة والذهول. حينها عرف الفتية أن الله قد حفظهم طوال هذه السنين وأنهم أصبحوا آية من آيات الله. وقام أهل المدينة بتكريمهم والتحدث عنهم باعتبارهم معجزة إلهية تدل على قدرة الله في إحياء الموتى وحفظ من يشاء بقدرته المطلقة.

نهاية القصة:

بعد أن عرف الفتية بأمرهم وأدركوا ما حدث، عادوا إلى كهفهم، وقرر الله أن يتوفاهم هناك، وقد أصبحوا عبرةً وعلامةً على قدرة الله. واختلف الناس حول ما يجب فعله بمكانهم. بعضهم اقترح أن يبنوا عليهم مسجدًا، ليكون المكان مزارًا وتذكيرًا بمعجزتهم العظيمة.

الدروس والعبر:

1. الإيمان والثبات: تبرز القصة أهمية الثبات على الإيمان في وجه الظلم والاضطهاد، حتى لو كان ذلك يتطلب التضحية بكل شيء.

2. التوكل على الله: الفتية لم يكن لديهم خطة واضحة سوى الهروب واللجوء إلى الله، لكن الله تكفل بحمايتهم وحل مشكلتهم بأعجوبة.

3. القدرة الإلهية: تظهر القصة قدرة الله على تغيير الزمن والتحكم في الطبيعة البشرية، كالنوم الطويل وحفظ الأجساد.

4. الصبر والتضحية: الصبر على الشدائد والبحث عن النجاة بالدين أعظم من الخضوع للمغريات والضغوطات.

هذه القصة ليست مجرد قصة خيالية، بل هي واقع عظيم يرسم لنا معاني الإيمان والتوكل، وتظهر لنا أن الله قادر على كل شيء.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.