`
ماض عريق وحاضر بائس

ماض عريق وحاضر بائس

قصر غيمان أحد أبرز المعالم الأثرية في اليمن

 

تقع قرية غيمان في جنوب شرق العاصمة صنعاء، على بُعد حوالي عشرين كيلومترًا، ضمن قرى بني بهلول. وتُعد واحدة من أبرز المواقع الأثرية في اليمن، حيث تحتوي على خرائب تاريخية تعود إلى عصور ما قبل الإسلام.

أصل التسمية والتاريخ القديم

جاءت تسمية "غيمان" نسبةً إلى قبيلة غيمان، التي كانت تقطن أراضي بني بهلول قديمًا. لاحقًا، أُطلق الاسم على الأكمة التي تحتوي على هذه الخرائب، وكان من أوائل من أشار إليها المؤرخ الهمداني.

في العصور القديمة، كانت قبيلة غيمان جزءًا من التركيبة القبلية اليمنية، حيث شكّلت "أذوائية" (وحدة قبلية) في جنوب أراضي قبيلة سُمعي وشمال أراضي ذي جرة. برز الغيمانيون في التاريخ اليمني القديم خلال القرون الميلادية الثلاثة الأولى، وكانوا من أنصار الدولة السبئية. وقد أوكلت إليهم مهمة حماية قصر سلحين عندما كان الملك في صنعاء، إضافة إلى محاربة قبائل ذي جرة وبني شداد جنوب أراضيهم. وانتصروا في معاركهم حتى وصلوا إلى منطقة بينون الشهيرة، وبلغ نفوذهم في الدولة السبئية حدًّا مكّن أحد زعمائهم، "إنمار يهامن"، من تولّي عرش سبأ في أواخر القرن الثاني الميلادي.

غيمان الأثرية: القصر والمعابد

1- القصر والمعبد

تقع أبرز الخرائب على أكمتين متلاصقتين تطلان على سهل زراعي خصب. وتبرز الأكمة الغربية، حيث بقايا أساسات لمبنى ضخم، أشار إليه الهمداني باسم "قصر غيمان"، وكان يُعرف بـ "المقلاب". تميز القصر بجدرانه المستديرة وكُواه المحسوبة بدقة، بحيث تسقط الشمس كل يوم في إحداها.

عُثر داخل القصر على نقوش تحمل اسم الإله "حجرم/ قحمم"، مما يشير إلى أنه كان معبدًا مخصصًا لعبادته. كما وُجدت مذابح حجرية ذات تصميم مخصص لتصفية دماء القرابين، وهو دليل على الطقوس الدينية التي كانت تُقام في المعبد.

2- المقابر القديمة

تقع المقابر القديمة على الأكمة الشرقية، وتُعرف بـ "تلة يعوق". وقد أُجريت فيها حفريات أثرية عامي 1937-1938م، بتكليف من الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، حيث عُثر على تمثال برونزي بطراز هلنستي، أهداه الإمام لاحقًا إلى ملكة بريطانيا، وهو محفوظ حاليًا في المتحف البريطاني.

كما ذكر الهمداني أن غيمان تحتوي على مقبرة ملوك حمير العظماء، ومنهم أسعد تبع، الذي دُفن فيها. وقد أورد الهمداني قصيدة لأسعد تبع يقول فيها:

"وغيمان محفوفة بالكـروم
لها بهجة ولها منظر
بها كان يقبر من قـد مضى
من آبائنا وبها نُقبـر"

التحصينات والأسوارIMG-20250221-WA0001
 

أشارت بعض الروايات إلى أن مدينة غيمان كانت محاطة بسبعة أسوار، لكن الدراسات الميدانية لم تثبت صحة هذا الادعاء. فقد وُجدت بقايا جدران حجرية في الجهة الغربية، يُرجّح أنها تعود إلى مبانٍ سكنية وليس إلى سور المدينة. ومع ذلك، لا يزال جزء بسيط من السور قائمًا في الجهة الجنوبية الشرقية.

الأنشطة الزراعية والأجران

تشتهر غيمان بكثرة الأجران، وهي ساحات حجرية مخصصة لفصل الحبوب عن السنابل بعد حصاد المحاصيل الزراعية. وتدل وفرة هذه الأجران على أن غيمان كانت تنتج كميات كبيرة من الحبوب في العصور القديمة.

المعالم الإسلامية في غيمان

تضم غيمان مسجدين قديمين، هما مسجد الوشلي ومسجد جعيدان، وقد بُنيا حديثًا باستخدام أحجار أثرية من الموقع القديم.

خاتمة

تُعد غيمان واحدة من أهم المدن الأثرية اليمنية، حيث تجمع بين التاريخ العريق والآثار المميزة، بدءًا من قصورها ومعابدها، وصولًا إلى مقابرها الملكية وأجرانها الزراعية. إن دراسة هذه المدينة تسلط الضوء على تاريخ اليمن القديم، وتكشف عن دور القبائل اليمنية في تشكيل الحضارات التي ازدهرت في المنطقة.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.