`
ألا أن نصر الله قريب

ألا أن نصر الله قريب

صمود الفلسطينيين ومعاناتهم، مع التشديد على أهمية المسجد الأقصى ودور المقاومة في استعادة الحقوق المشروعة.

فلسطين ليست مجرد رقعة جغرافية، بل هي وطن بحجم الكون، تحمل في طياتها معاني العزيمة والصمود. إنها مهد الديانات السماوية ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء، الأرض التي تسرد حجارتها وأشجارها تاريخًا طويلًا من النضال والتحدي. موقعها الجغرافي المميز في جنوب شرق البحر المتوسط يربط بين آسيا وإفريقيا ويجعلها نقطة عبور مهمة على مر العصور.

 

السكان الأصليون لفلسطين: الجذور الكنعانية

أقدم من سكن فلسطين هم الشعوب السامية، وأبرزهم الكنعانيون، الذين تركوا بصمتهم الثقافية والحضارية على هذه الأرض. رغم وجود أقلية يهودية، كان العرب هم الأغلبية الساحقة التي عاشت واستوطنت هذه الأرض عبر التاريخ. التوترات بين اليهود والعرب بدأت مع وعد بلفور وقرار المجتمع الدولي منح بريطانيا مسؤولية تأسيس وطن قومي لليهود، مما أثار استياء الفلسطينيين العرب وأدى إلى صراعات مستمرة.

 

المسجد الأقصى: قدسية وأهمية تاريخية

المسجد الأقصى يحمل مكانة عظيمة في الإسلام؛ فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبداية معراجه إلى السماوات العلا، كما ورد في قوله تعالى:

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1].

تاريخ بناء المسجد الأقصى يعود إلى أزمنة بعيدة، حيث تشير الروايات إلى أنه بني بعد المسجد الحرام بأربعين عامًا، وينسب البعض بناءه إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، بينما تذكر روايات أخرى أن النبي سليمان عليه السلام كان له دور في تشييده. رغم الإسرائيليات التي تدعي بناء الجن للمسجد، فإن الروايات الإسلامية تؤكد أن الأنبياء هم من شيدوه.

 

فلسطين في مفترق التاريخ: الأحداث الكبرى

قرار التقسيم والنكبة

1947: أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية، مع جعل القدس مدينة دولية. وافق اليهود على القرار بينما رفضه العرب.

1948: أعلن الزعماء اليهود قيام دولة إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع حرب بين العرب واليهود، عرفت بـ"النكبة". خلال هذه الحرب، نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين، وأصبحت إسرائيل تسيطر على معظم أراضي فلسطين.

 

حرب 1967 واحتلال الضفة والقدس

في حرب حزيران/يونيو 1967، تمكنت إسرائيل من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، مما عمّق معاناة الفلسطينيين وزاد من أعباء النزوح.

 

اتفاقيات أوسلو

عام 1993، تم توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لتكون أساسًا لقيام السلطة الوطنية الفلسطينية. ومع ذلك، ظلت القضايا الجوهرية مثل اللاجئين والقدس دون حل.

 

الاعتداءات المتكررة على غزة

2008–2009: شنت إسرائيل حربًا دموية على غزة استمرت 21 يومًا.

2012 و2022: تجددت الحروب والهجمات الإسرائيلية على القطاع، مما أسفر عن مئات الضحايا من المدنيين.

 

---

طوفان الأقصى 2023: انتفاضة جديدة ضد الاحتلال

في السابع من أكتوبر 2023، أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، بدء عملية "طوفان الأقصى" ردًا على انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى وجرائم المستوطنين. كانت العملية بمثابة انفجار غضب فلسطيني جراء سنوات طويلة من الحصار والانتهاكات في قطاع غزة والضفة الغربية.

ورغم الخسائر التي تعرض لها الفلسطينيون، أبرزت العملية مجددًا قضية القدس وأعادت فتح ملف الانتهاكات الإسرائيلية أمام العالم.

 

فلسطين: صراع لا ينتهي وأمل يتجدد

القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي معركة وجود وهوية. اللاجئون الفلسطينيون الذين هجّروا من أرضهم خلال النكبة وحروب الاحتلال لا يزالون يحتفظون بحق العودة، وهو حق قانوني وأخلاقي لا يمكن التنازل عنه.

القدس، بمساجدها وكنائسها، ستبقى رمزًا للصمود والتعايش. ومع كل معركة جديدة، تتجدد روح المقاومة في قلوب الفلسطينيين، لتؤكد أن هذه الأرض المباركة لا تقبل إلا بأصحابها الشرعيين.

 

الخاتمة: فلسطين في ضمير الأمة

فلسطين هي قضية عادلة ستظل في ضمير الأمة الإسلامية والعربية والعالم الحر. لن تمحى ذاكرة النكبة، ولن تُنسى دماء الشهداء، وستبقى القدس والمسجد الأقصى أيقونة للنضال وملاذًا للمؤمنين.

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» [الشعراء: 227].

 

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.