`
في حضرة الأنس تسقط كل أثقال الحياة

في حضرة الأنس تسقط كل أثقال الحياة

دعوة لأن تهدأ، وتستقر، وتطمئن… بقرب الله.

 

في عالمٍ يموج بالتقلّبات، وتتكاثر فيه الهموم، لا مرفأ آمن للقلوب المتعبة إلا الله.
الأنس بالله، والثقة به، والطمأنينة إليه… هي ملاذ الأرواح، وسرّ السكينة في زمن التشتّت.


 ما معنى الأنس بالله؟

الأنس بالله هو شعور داخلي عميق بالقرب منه:

  • حديث صامت في الخلوات،
  • دعاء صادق في السكون،
  • وشعور بالرفقة حتى في وحدة الليل.

هو ألا تشعر بالوحدة وإن خلا المكان من الناس، لأنك تشعر أن الله معك، يسمعك، ويراك، ويعلم ما في صدرك.

قال ابن القيم رحمه الله:
"في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته."


 الطمأنينة بالله: حين يسكن القلق

قال تعالى:

"الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
 (الرعد: 28)

الطمأنينة بالله لا تعني انعدام الابتلاء،
بل هي السلام الداخلي الذي يغمر القلب رغم العواصف.

هي أن تتوكل وتُسلم وتقول: "حسبي الله ونعم الوكيل"،
وتوقن أن الخير قادم، مهما اشتدت الظلمة.


 الثقة بالله: يقين لا يتزعزع

أن تثق بالله هو أن تؤمن أن:

  • تدبيره خيرٌ من تدبيرك،
  • رحمته أوسع من آمالك،
  • وأنه لا يُخيّب من رجاه.

 قال الإمام ابن عطاء الله السكندري:
"من ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور نظره."


قصص واقعية عن الأنس والثقة بالله

 1. هاجر… واليقين الذي فجّر زمزم

حين ترك نبي الله إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنها إسماعيل في صحراء لا زرع فيها ولا ماء، لم تحتجّ ولم تعترض.
بل قالت سؤالًا واحدًا:

"آالله أمرك بهذا؟"
فلما أجاب: "نعم"، قالت بكل يقين:
"إذن لا يُضيّعنا."

بهذا اليقين:

  • تفجّر ماء زمزم،
  • وسكنت مكة،
  • وبُني البيت الحرام،
  • وخلّد الله قصتها في مناسك الحج.

 2. أم موسى ووضعه في اليم: قمة اليقين في لحظة الخوف

وُلد موسى عليه السلام في زمن يقتل فيه فرعون كل مولود ذكر من بني إسرائيل.
وفي هذا الرعب، أوحى الله لأمه:

"وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني..."
 (القصص: 7)

رغم صعوبة الموقف، أطاعت أمر الله، وألقته في النهر،
بقلبٍ ممزق، لكنه واثق بالله.

 لم يكن إلقاؤه تخلٍّ، بل طاعة.
 لم يكن خوفًا، بل يقينًا.
لم يكن ضعفًا، بل قوة إيمان.

قال تعالى:

"فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حق..."
(القصص: 13)


 3. قصة نبي الله يونس والحوت: عبرة في جوف الظلمات

نبي الله يونس بن متى عليه السلام أُرسل إلى قوم في نينوى، فأنكروا دعوته.
غضب وتركهم دون إذن من الله، وركب البحر.

⚓️ في البحر، هاجت الأمواج، وأجروا قرعة لإلقاء أحدهم، فخرجت على يونس عليه السلام ثلاث مرات.
فألقى بنفسه في البحر، وابتلعه حوت عظيم، لكنه لم يُؤذ.

كان في ظلماتٍ ثلاث:

  • ظلمة البحر،
  • وظلمة الليل،
  • وظلمة بطن الحوت.

وهناك، دعا ربه:

"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
 (الأنبياء: 87)


 4. النبي محمد ﷺ في غار ثور

في الهجرة، اختبأ النبي ﷺ وأبو بكر في غار ثور، فاقترب الكفار منهم،
فقال النبي ﷺ:

"لا تحزن إن الله معنا."
 (التوبة: 40)

فأنزل الله سكينته عليهما، ونجّاهما.

العبرة:
في أشد اللحظات، إذا كنت قريبًا من الله… فلن تُخذل.


كيف نعيش الأنس بالله في حياتنا؟

 خطوات عملية:

  1. اجعل لك خلوة يومية مع الله
    تحدث إليه، اشكُ له، وادعه بصدق، ولو عشر دقائق فقط.
  2. اقرأ القرآن بقلبك لا بعينيك فقط
    اقرأ لتفهم، لتتأثر، لتُشفى.
  3. أكثر من الذكر في كل حين
    فهو باب الطمأنينة، ومفتاح الحضور القلبي مع الله.
  4. تأمل في الأقدار وقل:"لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا."
    لا تستعجل النهاية، فقد تكون البداية الحقيقية بعد الصبر.
  5. اجعل العبادة حُبًا، لا واجبًا
    صلاتك موعد مع الله، لا مجرد عادة تؤدى.

خلاصة

الأنس بالله هو أعظم نعمة تُهدى للقلب،
والثقة به مصدر أمان لا ينضب،
والطمأنينة إليه دواء لكل قلق.

من عرف الله حقًا:

  • لم يضِع،
  • لم يهتز،
  • ولم يبتئس…

لأنه استودع قلبه عند من لا تضيع ودائعه.


 دعاء

"اللهم اجعلنا من الذين إذا ابتُلوا صبروا، وإذا خافوا توكلوا، ولا تردنا خائبين ولا يائسین، وأرزقنا الأنس بك والسكينة في قلوبنا، يا أرحم الراحمين."

فسبحان من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو على كل شيء قدير.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.