يعود للحياه
تربية الأبناء وأثر القسوة والعنف على حياتهم ومستقبلهم
الأبناء: نعمة تستحق الشكر وحسن الرعاية
الأبناء هم زينة الحياة الدنيا ونعمة من الله سبحانه وتعالى، رزق بها الوالدين لتكون مصدر سعادة وامتداداً لذكراهم وأعمالهم. شكر هذه النعمة لا يكون بالتلفظ فقط، بل بإحسان التربية والعناية، والتعامل معهم برفق وإحسان، كما أمرنا ديننا الحنيف وسنّ نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن للأسف، هناك من الآباء من يسيء لهذه النعمة بعنفه وقسوته، متجاهلاً أثر هذا السلوك على حياة أبنائه، مما قد يدفعهم إلى الانطواء والضياع. التربية ليست بالصراخ أو الضرب أو الشدة المفرطة، بل هي فن يحتاج إلى الحكمة والصبر، مع فهم احتياجات الطفل النفسية والجسدية.
أثر القسوة في التربية
حب الأبناء غريزة فطرية تنبض بها قلوب الوالدين منذ اللحظة الأولى لمجيء الطفل إلى الحياة، ولكن بعض الآباء والأمهات يفتقرون إلى الوعي بأساليب التربية الصحيحة. يعتقدون أن الشدة والعنف هما السبيل لضبط سلوك الطفل، متجاهلين أن هذا الأسلوب قد يهدم شخصية الطفل، ويزرع فيه مشاعر الخوف والعدوانية، وربما يدفعه إلى اتخاذ مسارات خاطئة في حياته.
قصة واقعية مؤثرة
تحكي هذه القصة الحقيقية عن شاب عاش تجربة قاسية بسبب عنف والده وقسوته. يقول الشاب:
"كنت أعيش مع أسرتي في منطقة بعيدة عن المدينة. كان والدي يعاملني وأخوتي بقسوة شديدة، ضرب مستمر وكلمات جارحة تحطم النفس. لم يسمح لنا بالتعليم أو الذهاب إلى المدرسة، وكنا نراقب أبناء القرية وهم يذهبون إلى مدارسهم بأمل وحسرة.
كبرت وأنا أحمل في داخلي شعوراً بالحرمان والظلم. قررت أن أهرب من هذه الحياة البائسة لأبحث عن مستقبلي. خرجت من المنزل متجهاً إلى المدينة، لكن لم يكن معي المال لأدفع أجرة الباص. اضطررت إلى التعلق بالسيارات على الطريق، وفي أثناء ذلك شهدت حادث تصادم مروعاً بين سيارتين، احترق فيه من كان داخلهما بالكامل.
هربت من موقع الحادث خائفاً، وأكملت طريقي إلى المدينة. هناك، بدأت معاناة جديدة؛ كنت جائعاً بلا مأوى ولا عمل. لجأت إلى التسول، ومددت يدي للناس، منهم من أشفق عليّ ومنهم من جرحني بكلماته. فكرت في العودة إلى البيت، لكنني كنت أتراجع كل مرة بسبب خوف شديد من والدي وقسوته.
تعرفت لاحقاً على أطفال الشوارع الذين علّموني كيف أسرق لأعيش. في أول سرقة لي، قبض عليّ صاحب الهاتف وسلمني للشرطة. وعندما سألوني عن هويتي، كذبت وأعطيتهم اسماً مزيفاً خوفاً من العودة إلى أبي.
تم تحويلي إلى دار التوجيه، وهناك كانت المعاملة مختلفة تماماً. وجدني المشرفون على الدار جائعاً إلى الحب والتقدير. عاملوني بحنان، وبدأوا بتعليمي. في البداية، استمريت بالكذب بشأن هويتي، لكن مع الوقت وبدفء معاملتهم لي، اعترفت بالحقيقة وأخبرتهم أنني هربت بسبب قسوة أبي.
اتصل المشرفون بوالدي، وكانت الصدمة الكبرى. عندما سألوه عني، قال لهم إنني توفيت منذ سنتين في حادث سيارة. ظنوا أنهم دفنوني، لكن الحقيقة أن الجثة كانت لطفل آخر.
عندما شاهد والدي صورتي، انفجر بالبكاء قائلاً: هذا ابني! هذا ابني! وجاء إلى الدار لرؤيتي. كنت خائفاً من مواجهته، لكن عندما دخلت الغرفة، احتضنني بقوة واعتذر لي بدموعه قائلاً: سامحني يا بني على كل ما فعلته بك. أهم شيء أنك ما زلت على قيد الحياة."
دروس مستفادة
هذه القصة تُظهر لنا كيف يمكن أن تؤدي القسوة في التربية إلى تدمير حياة الطفل ودفعه إلى الانحراف أو الضياع. ولكن الحب والحنان يمكن أن يكونا دواءً لكل الجراح، وسبباً في إصلاح النفوس.
رسالة إلى الآباء والأمهات
إلى كل من رزقه الله نعمة الأبناء، تذكروا أن هذه الأمانة تحتاج إلى رعاية ووعي.
ابتعدوا عن العنف والقسوة: الضرب والشتم لا يصنعان أبناء صالحين، بل يهدمان أرواحهم.
تعلموا أساليب التربية الصحيحة: اقضوا وقتاً في قراءة الكتب أو حضور الدورات التي تساعدكم على فهم احتياجات أبنائكم.
كونوا قدوة حسنة: الأبناء يتعلمون من أفعالكم أكثر مما يتعلمون من أقوالكم.
امنحوا أبناءكم الأمان والحب: احتضنوا أبناءكم، واستمعوا إليهم، وكونوا مصدر الطمأنينة لهم.
في النهاية، تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته." لن يُنجيكم في قبوركم مال ولا جاه، لكن أبناؤكم الصالحون هم من سيذكرونكم بدعواتهم. حافظوا على هذه النعمة، فهي أغلى ما تملكون.
Leave a comment
Your email address will not be published. Required fields are marked *