`
بئر الكلب

بئر الكلب

قصة ملهمة من تاريخ اليمن

بئر الكلب: قصة الحكمة والصمود اليمني في وجه الاحتلال الحبشي

في واحدة من أصعب مراحل التاريخ اليمني، وتحديدًا في فترة احتلال الأحباش لليمن بقيادة أبرهة الحبشي، شهدت البلاد مقاومة شرسة عكست شجاعة وإبداع أهلها. لم تكن تلك المواجهة مجرد معركة سلاح، بل كانت ميدانًا أظهر فيه اليمنيون عبقرية وذكاء مدهشين للتغلب على محنهم. ومن بين تلك الحكايات الملهمة، برزت قصة "بئر الكلب" في قرية غيمان، الواقعة بالقرب من المدينة.

قرية غيمان: حياة بسيطة لكنها صامدة

كانت غيمان قرية صغيرة تعيش في أحضان الطبيعة، يعتمد سكانها على الزراعة وتربية الأغنام كمصدر رزق أساسي. بنيت بيوتهم على قمم الجبال والهضاب لتوفير الحماية لهم من الأعداء والكوارث الطبيعية، بينما تقع مصادر المياه - الآبار - في الوديان المنخفضة. كان الماء يمثل شريان الحياة لسكان القرية، حيث تنزل النساء يوميًا لجلب الماء من البئر، حاملات أوعية ثقيلة، ليعدن بها إلى القرية عبر الطرق الوعرة.

الحصار الحبشي

عندما فرض الأحباش سيطرتهم على اليمن، كان هدفهم كسر إرادة اليمنيين وإجبارهم على الخضوع. وفي إطار ذلك، حاصر الجنود الحبشيون الآبار، مانعين السكان من الوصول إليها بحرية. سمح الجنود لأهل القرية بجلب الماء مرة واحدة في الصباح، ولكن الكمية المسموح بها لم تكن تكفيهم ليوم كامل.

بدأ أهل القرية يشعرون بالاختناق بسبب قلة المياه، ومع مرور الوقت أصبحت الأزمة تهدد حياتهم. اجتمع حكماء القرية وأعيانها للنظر في حل يمكنهم من كسر الحصار والوصول إلى الماء دون التعرض لخطر الجنود.

ولادة الفكرة العبقرية

وسط حالة من الترقب والقلق، ألهمهم الله بفكرة ذكية وشجاعة. قرروا حفر ممر سري يمتد من أعلى القرية إلى البئر الموجودة في الوادي. كانت الفكرة مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت أملهم الوحيد. ورغم أنهم لم يمتلكوا أي خبرة هندسية أو أدوات متقدمة، بدأوا بحماس في تنفيذ الخطة.

حفر الممر السري

بأدوات بسيطة ويدين قويتين، شرع رجال القرية في حفر الممر. كانوا يعملون ليلًا ونهارًا في سرية تامة، متجنبين أي ضجيج قد يلفت انتباه الجنود الأحباش. ومع كل يوم يمر، كان الأمل يكبر في قلوبهم. استغرق العمل أسابيع طويلة، لكنهم لم يتراجعوا أو يشعروا باليأس.

عندما اكتمل الممر، أصبح بإمكان النساء النزول إليه في أي وقت لجلب الماء دون أن يلحظ الجنود شيئًا. كان الممر يؤدي مباشرة إلى البئر، ما مكنهم من الوصول إلى المياه بكميات كافية للحفاظ على حياتهم وحياة مواشيهم.

دهشة الجنود

استمرت النساء في النزول عبر الممر السري لجلب الماء. لاحظ الجنود أن أهل القرية لم يظهر عليهم العطش أو الضيق، رغم الكمية القليلة المسموح بها. أثار ذلك دهشتهم، لكنهم لم يتمكنوا من كشف السر.

الكلب يكشف السر

في أحد الأيام، وبينما كانت امرأة تنزل إلى البئر عبر الممر لجلب الماء، تبعها كلب من كلاب القرية. عندما وصل الكلب إلى البئر، رأى الضوء يتسلل من أعلى البئر وبدأ ينبح بصوت عالٍ. سمع الجنود الأحباش النباح وأدركوا أن هناك أمرًا غير طبيعي.

توجهوا بسرعة إلى البئر، ليكتشفوا وجود الممر السري. أدركوا حينها عبقرية أهل القرية الذين تمكنوا من تحديهم بوسائل بسيطة ولكنها فعالة.

دروس مستفادة من القصة

قصة "بئر الكلب" ليست مجرد حكاية من الماضي، بل هي درس خالد في الإبداع والصمود. علمتنا هذه القصة أن الحاجة أم الاختراع، وأن العقول يمكنها أن تكون أقوى من أي قوة مادية.

استطاع أهل غيمان أن يثبتوا أن الإيمان بالله والإرادة القوية يمكنهما تجاوز أصعب المحن. هذه الحادثة تظل شاهدًا على ذكاء الأجداد اليمنيين وقدرتهم على تحويل المحن إلى انتصارات، مستخدمين ما توفر لهم من إمكانات بسيطة.

الخاتمة

"بئر الكلب" ليست مجرد بئر أو ممر، بل هي رمز للإبداع اليمني وروح المقاومة. إنها تذكرنا دائمًا بأن الذكاء والإصرار يمكنهما تحقيق المستحيل، وأن الصمود أمام المحن يبدأ بفكرة وقرار شجاع.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.