في خضم انشغالات الحياة اليومية، وبين زحمة العمل وضغوطات المسؤوليات، ينسى كثير من الرجال أن أقرب الناس إليهم هم أحقّ الناس بالرحمة، وأولى الناس بالمعاملة الحسنة
وصلاح البيت وسعادته ليس مسؤولية المرأة وحدها، بل يبدأ الدور الأكبر من الرجل، من طريقته في معاملة أهله. فإن كانت المعاملة بالكلمة الطيبة واللين، عمّ البيت سكينة وهدوء، وإن كانت بالصراخ والتجريح لأتفه الأسباب، كثرت المشاكل، وساد النفور، وافتقد الجميع للراحة النفسية وحتى الصحة البدنية.
وربما يظنّ البعض أن الإحسان يُوجّه إلى الغريب، والمعروف يُقدّم للبعيد، وينسى أن أحق الناس بحسن خلقه وطيب كلامه وجميل أفعاله هم أهل بيته.
فكم من رجلٍ يُعامل صديقاتة بلطف واحترام، بينما يُعامل زوجته أو شقيقاته أو أبنائه بجفاء وقسوة! فمن أحق بالمعاملة الحسنة؟ ومن سيكون إلى جوارك وقت الشدة؟
وقد نبّهنا رسولنا الكريم ﷺ إلى هذا المعنى العميق، فقال:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"
[رواه الترمذي، حديث حسن صحيح]
المعاملة الطيبة.. ليست ضعفًا بل قُوة وإيمان
كثيرون يخلطون بين اللين والضعف، وبين الرفق والذل، بينما الحقيقة أن من يُحسن معاملة أهله، ويُراعي مشاعر زوجته وأبنائه، فهو في قمة القوة والاتزان، لأنه اقتدى بخُلق النبي ﷺ.
كان نبيّنا ﷺ أحنّ الناس على أهله؛ يمازح زوجاته، يستمع لهن، يواسيهن عند الحزن، ويغضّ الطرف عن الزلات، ويشاركهن في مهام البيت.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
"كان يكون في مهنة أهله – يعني في خدمتهم – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"
[رواه البخاري]
فما أعظم هذا النموذج! نبيّ مرسل، قائد أمة، يشارك زوجاته شؤون البيت، ويجعل منه واحة مودة ورحمة.
البركة الحقيقية تبدأ من الداخل
كثير من الناس يتساءلون: أين البركة؟ أين السعة في الرزق؟ لماذا المال لا يكفي رغم وفرتِه؟
وغالبًا ما يغفلون عن سنة نبوية عظيمة تُجيب عن هذا السؤال، حين قال ﷺ:
"أفضل الصدقة ما ترك غِنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول"
[رواه البخاري]
ما تنفقه على زوجتك وأبنائك ليس فقط واجبًا شرعيًا، بل هو صدقة تؤجر عليها، ويُبارك بها في مالك وصحتك وأيامك، وربما تكون سببًا في فتح أبواب رزق لم تتوقعها.
ابدأ بيتك بطيبة، وأنفق على أهلك بنية القُربى، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
رفقك في البيت.. يصنع الحب والأمان
كم من بيوتٍ تبدو جميلة من الخارج لكنها خاوية من الداخل؟
وكم من بيوتٍ بسيطة، لكنها تنبض حبًا وسلامًا لأن الزوج فيها رفيق، والزوجة مطمئنة، والأبناء محاطون بالحنان؟
قال ﷺ:
"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"
[رواه مسلم]
الرفق يُزين الحياة، ويُطيل عمر الحب، ويمنح البيوت سكينة، ويجعل من كل كلمة طيبة زادًا للمودة، ومن كل نظرة حانية جسرًا من الثقة والرضا.
المرأة بطبيعتها عاطفية، والأبناء في بداياتهم النفسية، يبحثون عن حضن آمن، وكلمة مشجعة، ونظرة متفهمة.
وأنت قادر أن تمنح كل ذلك بكلمة، أو ابتسامة، أو دعاء صادق.
القَوامة.. ليست تسلّطًا بل مسؤولية راقية
قال الله تعالى:
"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ"
[النساء: 34]
لكن بعض الرجال أساؤوا فهم القوامة، وظنّوها سُلطة واستعلاء.
والحقيقة أن القوامة في الإسلام:
- تكليف لا تشريف
- مسؤولية لا تسلط
- رعاية لا استبداد
- قيادة بالحكمة لا فرض بالرأي
الرجل القوام هو من ينفق، ويحمي، ويقود بحكمة، ويُضحي، ويصبر، ويعطي قبل أن يطلب، ويحتوي قبل أن يحاسب.
دعوة صادقة للتأمل
قف مع نفسك وقفة صدق:
- هل إذا دخلت بيتك، شعر من فيه بالسكينة أم بالخوف؟
- هل يرى فيك أهلك قدوة تُحتذى؟ أم شخصًا يُخشى قربه؟
- هل يسمع منك زوجك وأبناؤك كلمات طيبة، تشحن قلوبهم حبًا وأمانًا؟
إن كنت خيرًا في بيتك، فأنت عند الله من الأخيار.
ولا تنسَ: حُسن الخلق مع الغرباء لا ينفع، إن كان البيت مليئًا بالإهمال أو القسوة.
ابدأ من بيتك.. أصلح داخلك.. يُصلح الله لك الخارج.
خلاصة المقال
"خيرُ الناسِ، من كان خيرًا لأهله."
"بيتٌ مليء بالمحبة والرفق، خيرٌ من قصرٍ يسكنه الخوف والتجريح."
"وكل كلمة طيبة، وكل نظرة حانية، وكل نفقة عن حب.. تُكتب لك عبادة، وترتفع بها في درجات الجنة."
اجعل بيتك جنتك، وزوجتك رفيقتك لا خصيمتك، وأولادك أمانة لا عبئًا، وكن فيهم رسول الرحمة، تُهديهم المعاملة الطيبة، وتُربّيهم على الإسلام بالأفعال قبل الأقوال.
Leave a comment
Your email address will not be published. Required fields are marked *