`
هل أنت خيرهم؟

هل أنت خيرهم؟

"خيركم خيركم لأهله".. حين تكون المعاملة الطيبة عبادة تُرضي الله وتُسعد القلوب

 

في خضم انشغالات الحياة اليومية، وبين زحمة العمل وضغوطات المسؤوليات، ينسى كثيرٌ من الرجال أن أقرب الناس إليهم هم أحقّ الناس بالرحمة، وأولى الناس بالمعاملة الحسنة.

وصلاح البيت وسعادته ليس مسؤولية المرأة وحدها، بل يبدأ الدور الأكبر من الرجل، من طريقته في معاملة أهله. فإن كانت المعاملة بالكلمة الطيبة واللين، عمّ البيت سكينة وهدوء، وإن كانت بالصراخ والتجريح لأتفه الأسباب، كثرت المشاكل، وساد النفور، وافتقد الجميع للراحة النفسية وحتى الصحة البدنية.

وربما يظنّ البعض أن الإحسان موجَّه للغريب، وأن المعروف يُقدّم للبعيد، وينسى أن أحقّ الناس بحُسن خُلقه وطيب كلامه وجميل أفعاله هم أهل بيته.

فكم من رجلٍ يعامل صديقاتة في العمل بلطف واحترام، بينما يعامل زوجته أو شقيقاته أو أبنائه بجفاء وقسوة! فمن أحق بالمعاملة الحسنة؟ ومن سيكون إلى جوارك وقت الشدة؟

وقد نبّهنا رسول الله ﷺ إلى هذا المعنى العظيم، وجعل معيار "الخيرية" في كيفية معاملة الرجل لأهله، فقال:

"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"
[رواه الترمذي، حديث حسن صحيح]


 المعاملة الطيبة.. ليست ضعفًا بل قوة وإيمان

كثيرون يخلطون بين اللين والضعف، وبين الرفق والذل، ولكن الحقيقة أن من يُحسن لأهله، ويعامل زوجته بلين ويُراعي مشاعرها، فهو في قمة القوة والاتزان، لأنه اختار أن يسير على خُلق النبي ﷺ.

كان النبي ﷺ أحنّ الناس على أهله، يمازح زوجاته، يستمع لحديثهن، يواسيهن عند الحزن، يغض الطرف عن الزلات، ويشاركهن شؤون البيت.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
"كان يكون في مهنة أهله – يعني في خدمتهم – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"
[رواه البخاري]

فما أعظم هذا النموذج! نبيّ مرسل، قائد أمة، يشارك زوجاته شؤون المنزل، ويجعل من بيته واحة مودة ورحمة. IMG-20250705-WA0001

 البركة الحقيقية تبدأ من الداخل

كثيرون يسألون: أين البركة؟ لماذا لا يكفي المال رغم زيادته؟ والجواب تجده في السنة النبوية:

"أفضل الصدقة ما ترك غِنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول"
[رواه البخاري]

فما تنفقه على زوجتك وأبنائك ليس فقط واجبًا، بل هو صدقة يُثيبك الله عليها، ويبارك لك بها في مالك وعافيتك وأيامك. وربما كانت تلك النفقة سببًا في فتح أبواب رزق لا تتوقعها.

ابدأ بيتك بالطيبة، وأنفق على أهلك بنية القُربى، فإن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.


 رفقك في البيت.. يصنع الحب والأمان

كم من بيتٍ يبدو جميلاً من الخارج، لكنه خاويًا من الداخل!

وكم من بيتٍ بسيط متواضع، ينبض حبًا وسلامًا، لأن الزوج فيه رفيق، والزوجة مطمئنة، والأبناء محاطون بالحنان والاهتمام.

قال ﷺ:

"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"
[رواه مسلم]

الرفق يُزين الحياة، ويُطيل عمر الحب، ويمنح البيوت سكينة، ويجعل من كل كلمة طيبة زادًا للمودة، ومن كل نظرة حانية جسرًا من الثقة والرضا.

المرأة بطبعها عاطفية، والأبناء في بداية تشكيل شخصياتهم النفسية، يحتاجون حضنًا آمنًا، وكلمة مشجعة، ونظرة تفهّم.

وأنت قادر أن تمنح كل ذلك بكلمة، أو ابتسامة، أو دعاء صادق.


 القَوامة.. ليست تسلّطًا بل مسؤولية راقية

قال الله عز وجل:

"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ"
[النساء: 34]

لكن بعض الرجال أساؤوا فهم القوامة، فظنوها سُلطة واستعلاء، وتجبُّرًا لا يُردّ.

والحقيقة أن القوامة في الإسلام هي:

  • تكليف لا تشريف
  • مسؤولية لا تسلط
  • رعاية لا استبداد
  • قيادة بالحكمة لا بالقهر

فالرجل القوّام هو من ينفق، ويحمي، ويقود بحكمة، ويضحي، ويصبر، ويحتوي قبل أن يحاسب.


 دعوة صادقة للتأمل

قف مع نفسك واسألها بصدق:

  • هل إذا دخلت بيتك، شعر من فيه بالسكينة أم بالخوف؟
  • هل يرى فيك أهلك قدوتهم، أم يتمنون غيابك؟
  • هل يسمع منك من تحب كلمات طيبة تشحن قلوبهم حبًا وأمانًا؟

إن كنت خيرًا في بيتك، فأنت عند الله من الأخيار.

ولا تنسَ أن حُسن الخلق مع الغرباء لا يُجدي، إن كان بيتك مليئًا بالقسوة والإهمال والتجريح.

ابدأ من بيتك، أصلح داخلك، فإن الله يُصلح لك الخارج.


 خلاصة المقال:

 "خيرُ الناسِ، من كان خيرًا لأهله."
 "بيتٌ مليء بالمحبة والرفق، خيرٌ من قصرٍ يسكنه الخوف والتجريح."
 "وكل كلمة طيبة، وكل نظرة حانية، وكل نفقة عن حب.. تُكتب لك عبادة، وترتفع بها في درجات الجنة."

اجعل بيتك جنتك، وزوجتك رفيقتك لا خصيمتك، وأولادك أمانة لا عبئًا، وكن فيهم رسول الرحمة، تُهديهم المعاملة الطيبة، وتُربّيهم على الإسلام بالأفعال قبل الأقوال.


Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.