`
الناس معادن

الناس معادن

قصصًا واقعية ومؤثرة لنساء صابرات واجهن تحديات الحياة بحكمة وإيمان، فكان عوض الله لهن فوق التوقعات

الناس معادن.. دروس في الصبر والإيمان والتوكل على الله

حدثتني جدتي، وهي سيدة حكيمة ليست ذات علمٍ أكاديمي ولكنها أغنى بالتجارب، قائلة: “ما هذا يا بُنيتي؟ ماذا حدث لعقول بنات هذا الجيل؟ على أي منهج تربين؟ كيف سيعمرن بيوتاً ويربين أجيالاً؟ لهذه الدرجة لم يعد للصبر مكان في حياتهن؟ أين الإيمان بالله والثقة في عوضه؟”

الصبر جوهر الإيمان

تُكمل جدتي حديثها: “الحياة علّمتني أن مفاتيح الخير تكمن في الصبر والتوكل على الله، وألا أتخذ قراراً في حياتي إلا بعد صلاة الاستخارة والدعاء. كان يقيني دائماً أن التدبير بيد أرحم الراحمين، فهو عالم الغيب والشهادة. مهما حاولتِ التفكير، لن تصلي إلى عظمة حكمة الله. يا بنيتي، اصبرن، فو الله إن بعد كل صبرٍ جبر، وأي جبر! جبرٌ لا يخطر على قلب بشر.”

ثم قصّت عليّ قصتين عظيمتين عن نساء من معدن نادر، صبرن فكان عوض الله لهن فوق التصور.

القصة الأولى: المرأة التي صبرت على الغياب

تزوجت فتاة صغيرة السن لكنها كبيرة العقل. كانت جميلة وجعلت من شريك حياتها محور عالمها. بعد الزواج بفترة قصيرة، غادر زوجها قريتهم النائية بحثاً عن العمل في مدينة بعيدة، وترك خلفه زوجة تحلم بعودته لتكملا حياتهما معاً.

طال غيابه، ليس سنة أو اثنتين، بل عشر سنوات كاملة دون أن ترِد منه أخبار. في غيابه، واجهت الزوجة ضغوطاً شديدة من أهلها الذين أرادوا تطليقها، ومن صديقاتها اللواتي قلن لها: "لماذا تصبرين على زوج ترككِ؟" لكنها رفضت الانصياع. كانت تُردد دائماً: “سأظل مخلصة لعهدي معه، وأدعو الله أن يجمعني به يوماً.”

بعد سنوات طويلة من الصبر والاحتساب، شاء الله أن يلين قلب الزوج ويعيده لبيته. كانت عودته مفاجأة هزّت القرية بأكملها، وفرحةً لم تكن تتوقعها. عاشا بعدها أجمل أيام حياتهما، ورزقهما الله بالذرية الصالحة، حتى توفاه الله وهي إلى جواره، محتفظة بذكرى صبرها وعوض الله الذي لم يخيبها.

القصة الثانية: الزوجة التي احتسبت وصبرت

في قصة أخرى، تزوجت فتاة صغيرة عانت منذ زواجها من مشاكل كبيرة. وصلتها أخبار بأن زوجها مغرم بامرأة أخرى، لكنها لم تُصدق تلك الأقاويل. مع الوقت، انتقل الزوجان إلى المدينة، واستأجرا منزلاً صغيراً، وبدآ معاً رحلة بناء حياتهما.

كانت الزوجة مثالاً للمرأة الصبورة. مع قلة ذات اليد، كانت تُساعد زوجها في بناء بيت صغير على قطعة أرض اشترياها. في كل صباح، كانت تحضر اللبن وتنتظره ليعود من عمله، ثم يتعاونان في البناء. رغم الفقر والظروف الصعبة، ظلت الزوجة مخلصة، حتى اكتمل بناء المنزل وتحسنت أحوالهما.

لكن فجأة، تبدل حال زوجها، وأصيب بمرض نفسي جعله يتصرف بغرابة. وصل الأمر به أن أعلن طلاقها، واتصل بأهلها ليطلب منهم إخراجها من المنزل. لكن الزوجة رفضت الرحيل وقالت: “لن أترك بيتي، ولن أتخلى عن زوجي.”

صبرت رغم كل القسوة، وأحاطت زوجها بالحب والدعاء. بعد سنوات من الألم، شاء الله أن يشفي زوجها ويعيد إليه عقله. عاد إليها زوجاً محباً كما كان، وعادت حياتهما إلى السعادة. تقول الزوجة: “لو سجدت لله ليل نهار لما وفيت شكره على ما أعطاني بعد صبري.”

دروس من الصبر والعوض

هذه القصص تلهمنا أن الصبر مفتاح الفرج، وأن العوض من الله أعظم وأجمل مما نتصور. النساء في هذه القصص لم يكنّ فقط زوجات صالحات، بل كنّ مدارس في الإيمان، تحملن الألم والثبات ليصبحن أمثلة تُحتذى.

أحاديث عن المرأة الصالحة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح" (رواه أحمد). كما قال عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته".

رسالة إلى بنات هذا الجيل

يا بنات اليوم، تعلمْن من قصص هؤلاء النسوة. لا تستسلمن لليأس، ولا تتأثرن بالقيل والقال. الصبر والتوكل على الله هما أساس النجاح في الحياة. اصبرن على الشدائد، وثقن أن الله سيعوضكن خيراً، فالعوض من البشر قليل، لكن عوض الله عظيم لا يُقدر بثمن.

Share:
Ketbeh MS

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google سياسة الخصوصية and شروط الخدمة apply.